الوصول إلى الإنترنت.. وحقوق الإنسان

الوصول إلى الإنترنت.. وحقوق الإنسان

في عالمنا الرقمي الراهن..، تُعد الاتصالية (الوصول إلى الإنترنت) حقاً أساسياً من حقوق الإنسان حيث تعتبر عنصرا حيويا للغاية لتعزيز مجموعة من القيم المهمة في حياتنا مثل: الكرامة، الإنصاف، المساواة، والاحترام.

تلعب الاتصالية دوراً رئيسياً في تسهيل الوصول إلى المعلومات والتعليم والمشاركة المجتمعية مما يجعلها عنصراً أساسياً في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، نتيجة لذلك، تتولى شركات الاتصالات دوراً متزايد الأهمية في توسيع نطاق الوصول مع غرس مبادئ حقوق الإنسان بشكل متماسك في المجتمعات التي تعمل فيها، ومن خلال معالجة قضايا حقوق الإنسان البارزة التي تقع ضمن نطاق الصناعة - التي تشمل الخصوصية والحرية فيما يتعلق بالتعبير وسلامة الأطفال عبر الإنترنت وحقوق الأطفال وحقوق العمل وإمكانية الوصول الرقمي - يتحمل مشغلو الاتصالات المتنقلة مسؤولية معالجة أي تأثير محتمل أو فعلي لأنشطتهم التجارية.

على الرغم من الزيادة المتنامية  في عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف المتنقلة..، لا يزال العديد من الأفراد يواجهون فجوات وعوائق كبيرة في الوصول إلى الإنترنت والتقنيات الرقمية، وينتشر هذا بين الفئات الضعيفة مثل الأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية أو ذات الدخل المنخفض، ووفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، فإن ما يقرب من 2.7 مليار شخص - أي ما يعادل ثلث سكان العالم - لم يتصلوا بعد بالإنترنت، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لزيادة الوصول إلى خدمات الاتصالات.

رغم التقدم الذي تم إحرازه في السنوات الأخيرة..، إلا أن الفجوة الرقمية لا تزال تشكل تحدياً كبيراً أمام تحقيق الوصول الشامل إلى حقوق الإنسان، ويمكن أن تنبع الفجوة الرقمية من عوامل مختلفة تشمل القدرة على تحمل التكاليف، المهارات الرقمية، البنية التحتية الموثوقة، والقيود الجغرافية، يتجلى ذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يمثل الوصول إلى خدمات الاتصالات مشكلة متنامية.

يبلغ متوسط معدل انتشار الإنترنت في المنطقة 50%، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 66%، وقد تم تسليط الضوء على هذه النسبة على وجه التحديد أثناء جائحة كوفيد-19 لأنها أظهرت أهمية دور الوصول إلى خدمات الاتصالات حيث تم استخدامها كأداة للبقاء، بدءاً من الوصول إلى المعلومات الصحية الدقيقة، ومواصلة الأطفال تعليمهم، إلى العمل من المنزل والبقاء على اتصال مع الأحباء.

1- أهمية خدمات الاتصالات لحماية حقوق الأطفال

يمكن أن يوفر الوصول إلى خدمات الاتصالات فرصاً مختلفة للأطفال للنمو والتطور لأنه يسمح بممارسة حقوقهم في الوصول إلى المعلومات والخصوصية والترفيه والتعليم، حيث تُمكن الأطفال من التعبير عن احتياجاتهم واهتماماتهم والمشاركة في المجتمع، مع ذلك، فإن أولئك الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى خدمات الاتصالات – خصوصا الأطفال من ذوي الدخل المنخفض أو النازحين أو المناطق الريفية - قد يواجهون الاستبعاد مع استمرار العالم في التحول إلى الاقتصاد الرقمي.

تُعد معالجة العوائق والتحديات التي تعترض الاتصالية أمراً أساسياً لتعزيز حقوق الأطفال ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن الممكن أن يساعد تحسين الوصول إلى الاتصالية في تقليص فجوة عدم المساواة في التعليم ودعم تنمية المهارات اللازمة لإدارة الاقتصاد الرقمي اليوم، كما يمكنه أيضاً تمكين الأطفال من المشاركة الكاملة في المجتمع، من خلال تزويدهم بإمكانية الوصول إلى المعلومات الصحية وخطوط مساعدة الأطفال وخدمات الطوارئ، وربطهم مع أقرانهم والقدرة على المشاركة في النشاط المدني.

سيكون للمشهد المتغير باستمرار للتكنولوجيات والخدمات الرقمية الجديدة - مثل الذكاء الاصطناعي (AI) - تأثيرات كبيرة على الحياة الرقمية للأطفال، فالذكاء الاصطناعي هو محاكاة لعمليات الذكاء البشري تجريها الروبوتات، تشير الدراسات إلى أنه من المتوقع أن يشهد الذكاء الاصطناعي معدل نمو سنوي قدره 37.3% في الفترة من 2023 إلى 2030، لذلك من المهم التأكد من إعطاء الأولوية لرفاهية الأطفال وحقوقهم.

لن يؤثر الذكاء الاصطناعي على ما يشاهده الأطفال عبر الإنترنت فحسب، بل سيمكنهم أيضاً من الوصول إلى فرص إضافية مثل تحسين جودة التعليم والخدمات الصحية، وقد أثبتت أدوات التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي قدرتها على تحسين جودة التدريس والتعلم من خلال مراقبة مستويات معرفة الطلاب وعاداتهم الدراسية، مما يتيح اتباع نهج شخصي للتعلم، بالإضافة إلى ذلك، تمكنت حلول الذكاء الاصطناعي من الارتقاء بصحة الأطفال من خلال القدرة على اكتشاف العلامات المبكرة للتوحد وعلامات الاكتئاب من خلال الكلام.

في حين أن الرقمنة تخلق فرصاً لتعزيز التقدم الاجتماعي وتعزيز الاندماج الاجتماعي والمشاركة المجتمعية، فإنها لديها القدرة أيضاً على توسيع نطاق عدم المساواة القائمة وتفاقم مخاطر التفاوتات الاجتماعية والاستبعاد، ولا يزال الأطفال يواجهون عدداً لا يحصى من المخاطر عبر الإنترنت، وهي المخاطر التي تشكل تهديداً لأمنهم وصحتهم، يشتمل ذلك على التعرض لمحتوى ضار، والتنمر عبر الإنترنت، والاحتيال والاستدراج عبر الإنترنت، بالإضافة إلى عمليات الاحتيال ومحاولات التصيد  الاحتيالي، حيث تكون هذه المخاطر مدعاة للقلق، وتتطلب اتخاذ تدابير وقائية لضمان حقوق الأطفال في الأمان على الإنترنت.

من الضروري إجراء عملية مشاركة لأصحاب المصلحة المتعددين لتعزيز سلامة الأطفال على الإنترنت، يشمل ذلك الحكومات، المنظمين، المجتمع، أولياء الأمور، مقدمي الرعاية، والقطاع الخاص، وذلك من أجل زيادة الوعي حول المخاطر المحتملة على الإنترنت وصياغة استراتيجيات فعالة للتخفيف منها.

يمكن لمقدمي خدمات الاتصالات أيضاً التعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية للضغط على السياسات التي تحمي حقوق الأطفال في النظام البيئي الرقمي وتطويرها وتنفيذها، وينبغي لهذه الجهود أن تهدف إلى سد الفجوة الرقمية وضمان المساواة للجميع، بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية أو موقعهم الجغرافي.

2- إطلاق الفرص للأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة من خلال بناء بيئات رقمية اشتمالية

ترتبط ممارسة إمكانية الوصول ارتباطاً وثيقاً بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وقدرتهم على التفاعل والمشاركة في العالم الرقمي، في الوقت الحالي، تشير التقديرات إلى أن 1.3 مليار شخص حول العالم يعانون من إعاقة كبيرة، ما يمثل 16% من سكان العالم مما يشير إلى أن 1 من بين كل 6 أشخاص يعاني من نوع ما من الإعاقة، في حين أن الإنترنت يمكن أن يوفر فرصاً للنمو والتطور، إلا أن الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة قد يواجهون تحديات إضافية في الوصول إلى الخدمات الرقمية، على سبيل المثال، قد يحتاج الشخص الذي يعاني من ضعف السمع إلى ميزات إضافية للوصول إلى المحتوى عبر الإنترنت مثل التسميات التوضيحية المغلقة أو التنبيهات المرئية العلنية أو الترجمة بلغة الإشارة.

من ناحية أخرى..، قد يحتاج الشخص ضعيف البصر إلى تقنيات مساعدة مثل قارئات الشاشة أو البرامج التي يتم تنشيطها بالصوت لتصفح المحتوى الرقمي، ولضمان إمكانية الوصول إلى المنتجات والخدمات الرقمية للجميع، من الضروري إعطاء الأولوية لإمكانية الوصول خلال مرحلة تصميم المنتج وضمان تنفيذه بنجاح، ومن المهم التأكد من أننا نصنف إمكانية الوصول الرقمي كحق من حقوق الإنسان حيث تنص المادة 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على أن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لهم الحق في الوصول إلى تكنولوجيات وأنظمة المعلومات والاتصالات، بما في ذلك الإنترنت، مع ذلك، وعلى الرغم من هذا الاعتراف، لا تزال هناك العديد من العوائق والتحديات التي تشمل:

  • غياب ميزات إمكانية الوصول على مواقع الويب والخدمات الرقمية يخلق عائقاً كبيراً أمام الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للوصول إلى المعلومات المهمة.
  • تكلفة التقنيات المساعدة يمكن أن تكون عبئاً مالياً كبيراً على الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، فبدون هذه التكنولوجيات، يصبح من الصعب عليهم الوصول إلى الخدمات والمنتجات الرقمية، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الدول النامية أو ذوي الخلفيات الاقتصادية المنخفضة.
  • عدم فهم أهمية الوصول الرقمي بين المطورين والمصممين ومنشئي المحتوى.
  • تختلف المبادئ التوجيهية والسياسات واللوائح المتعلقة بإمكانية الوصول الرقمي بين الدول والمناطق، وغالباً ما يكون تتبع تنفيذها ضعيفاً أو غير موجود.

لضمان حصول الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على فرص متساوية للوصول إلى الاتصالية، يتطلب الأمر تعاوناً مستمراً بين المصممين والمطورين والمدافعين عن ذوي الاحتياجات الخاصة لضمان دمج إمكانية الوصول في عملية التصميم، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات والجهات التنظيمية إلى اعتماد سياسات ومبادئ توجيهية تعزز إمكانية الوصول تضمن امتثال مختلف أصحاب المصلحة بما في ذلك الشركات والمنظمات غير الربحية والمؤسسات التعليمية والصحية لمعايير أو سياسات إمكانية الوصول.

أخيرا..، يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورا حاسما في الضغط من أجل تعزيز إمكانية الوصول بالاستثمار في البحث وتطوير التكنولوجيات الجديدة التي يمكن أن تحسن إمكانية الوصول إلى جميع الخدمات الرقمية.

3- تأمين حقوق الإنسان عن طريق ربط سلسلة التوريد

مع تزايد ترابط الاقتصاد وعولمته، تقوم الشركات بالحصول على مواردها من خلال شبكة معقدة من الموردين تمتد عبر دول ومناطق مختلفة، وتتميز على الأرجح بقوانين وأنظمة وممارسات مختلفة في مجال حقوق الإنسان، ومع ذلك، فإن سلاسل التوريد هذه غالباً ما تحمل العديد من المخاطر المتعلقة بحقوق الإنسان التي قد تجد الشركات صعوبة في التخفيف منها بطريقة فعالة.

يلاحظ أن العمال في سلاسل التوريد، خصوصا في صناعات مثل: الإلكترونيات، الأزياء، الزراعة، والتعدين في الدول النامية، يمكن أن يتعرضوا للاستغلال في ممارسات العمل مثل:

  • الاتجار بالبشر والعبودية الحديثة
  • ظروف العمل غير الآمنة
  • انخفاض الأجور
  • تقييد حرية التعبير وتكوين الجمعيات
  • الاعتداء والتحرش الجنسي
  • التعرض للمواد السامة وغيرها من المخاطر المهنية الشديدة

تتراوح هذه الانتهاكات من العمل القسري أو عمل الأطفال إلى التمييز والمضايقة وعدم الوصول إلى حقوق الإنسان الأساسية، بالإضافة إلى ذلك، فإنهم - وبسبب تعرضهم لهذه الانتهاكات بانتظام - يواجهون في كثير من الأحيان عقبات في الوصول إلى آليات التظلم مثل الحماية من المبلغين عن المخالفات أو اللجوء إلى القانون.

مع حدوث انتهاكات حقوق الإنسان في أي نقطة عبر سلسلة التوريد، فمن الضروري التحقيق فيها ومعالجتها لحماية الأشخاص المشاركين في دعم الأعمال، وإحدى أفضل الطرق لضمان عدم انتهاك الموردين لحقوق الإنسان هي استخدام الحلول الرقمية لتمكين الشركات من التواصل والتعاون مع الموردين على مستوى العالم، ويتيح ذلك للشركات الفرصة لخفض التكاليف والابتكار والبقاء بمرونة وبسرعة كافية لتلبية متطلبات العملاء.

مع ذلك، فإن الوصول إلى سلسلة التوريد العالمية والنظام البيئي الرقمي يمكن أن يساهم أيضاً في انتهاكات حقوق الإنسان، على سبيل المثال، يمكن للموردين الذين قد لا يتمتعون بإمكانية الوصول الكافي إلى المعلومات أو الاتصالات أو التكنولوجيا أن يؤدي إلى الاستغلال والمعاملة غير العادلة للعمال، بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام التكنولوجيا مثل أجهزة التتبع والمراقبة قد ينتهك الخصوصية وحقوق الإنسان الأخرى للعاملين في سلسلة التوريد.

4- تمكين حرية التعبير والحقوق الرقمية

يوفر الفضاء الرقمي للأفراد إمكانيات غير مسبوقة للتعبير عن أنفسهم ومشاركة المعلومات على نطاق عالمي، ويمكن الوصول إلى خدمات الاتصالات ممارسة الأشخاص لحقهم في حرية التعبير، وهي ركيزة أساسية لحقوق الإنسان؛ لأنه يسمح للناس بالتعبير عن آرائهم واهتماماتهم والضغط والدفاع عن العدالة الاجتماعية ومحاسبة المؤسسات.

على الرغم من الإمكانات المتزايدة للاتصالية لتعزيز حرية التعبير، إلا أن هناك تحديات ومخاوف تحتاج إلى المعالجة، وتعتبر الرقابة والتنمر عبر الإنترنت والمراقبة والمضايقة من القضايا التي يمكن أن تحجب الحقوق الرقمية وتحد من حرية التعبير، وتقع على عاتق الحكومات والشركات مسؤولية ضمان عدم استخدام الاتصالية كأداة للقمع أو السيطرة.

من المهم أن تتعاون هذه الكيانات الكبيرة مع المجتمع المدني لتعزيز قوانين الشفافية والخصوصية التي تحترم حقوق الخصوصية وتدافع عنها مع الاستمرار في تمكين الابتكار، وتعد حماية خصوصية المستخدم وتعزيز حيادية الإنترنت والحماية من التهديدات عبر الإنترنت خطوات ضرورية للحفاظ على حرية التعبير في العصر الرقمي.

لا ينبغي أن تقتصر الاتصالية على مجرد الوصول إلى الإنترنت، بل يجب أن تشمل أيضاً توافر مساحات متنوعة وشاملة على الإنترنت، ومن المهم ضمان حصول المجتمعات المهمشة على فرص متساوية للتعبير عن نفسها والمشاركة في المناقشات عبر الإنترنت دون خوف من التجريم أو التمييز أو المضايقة، ويمكن أن يساهم تعزيز المعرفة الرقمية وتعزيز المواطنة الرقمية في خلق بيئة أكثر شمولاً واحتراماً على الإنترنت حيث تزدهر حرية التعبير.