مشاركة متعددة القطاعات

أظهر جائحة كوفيد-19 كيف أن التعاون بين القطاعات هو المفتاح لحل بعض التحديات العالمية من منظور اجتماعي واقتصادي وتنموي، فينبغي على الكيانات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والعلمية والمجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية أن تتحد جميعاً للتغلب على القضايا المعقدة، وخلال منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد في بكين بالصين، صرح بيل غيتس بالتالي:

“هناك أزمة عالمية صدمت العالم، إنها تتسبب في عدد مأساوي من الوفيات، وتجعل الناس يخافون من مغادرة منازلهم، وتؤدي إلى ضائقة اقتصادية لم نشهدها منذ أجيال عديدة، وتأثيراتها تموج في أنحاء العالم، من الواضح أنني أتحدث عن كوفيد-19، لكن في غضون بضعة عقود فقط، سيتناسب هذا الوصف نفسه مع أزمة عالمية أخرى، وهي تغيُّر المُناخ”.

تؤكد وجهة النظر هذه على أهمية التعاون المبتكر من أجل تطوير ونشر حلول الطاقة النظيفة اللازمة لمنع حدوث أزمة عالمية أخرى

دور الحكومات

على الحكومات أن تتولى قيادة المسيرة لأن التزامها باتفاق باريس يشير إلى مقدار الإجراءات المطلوبة لخفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول العام 2030 والبقاء ضمن نطاق 1.5 درجة مئوية لزيادة درجة الحرارة العالمية، في العام المقبل، في مؤتمر “COP 27” الذي سينعقد في شرم الشيخ بمصر، ستحتاج الحكومات إلى إظهار التنفيذ الفعلي لالتزاماتها السابقة، وتمارس المناصرة الدولية المتزايدة ضغوطاً على المؤسسات الحكومية لترجمة خططها إلى أفعال.

من الضروري للقطاع الحكومي بناء الثقة واتخاذ إجراءات ملموسة للتخفيف من مخاطر تغيُّر المُناخ، وزيادة الاستثمار في هذا المجال هو أمر أساسي لتحقيق الدعم العام.، وفقاً لـبرنامج “InvestEU” التابع للاتحاد الأوروبي، تعتبر المباني أكبر مستهلك منفرد للطاقة، من هذا المنطلق، فإن الاستثمار في الحلول الموفرة للطاقة على نطاق وطني يمكن أن يُغير المسار نحو تحقيق المساهمات الوطنية المحددة للدولة في ما يتعلق بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

تلعب المؤسسات الوطنية دوراً رئيسياً في وضع التشريعات المطلوبة وإصلاح السياسات لمحاسبة الآخرين على استخدام الحلول المستدامة والصديقة للبيئة.  ويتعين على الحكومات أيضاً تحديد أهداف وأطر لللاعبين الآخرين لاتباع إرشادات محددة تؤدي إلى هدف جماعي يتماشى مع “المساهمات الوطنية المحددة”، وهناك حاجة إلى أن تضمن الحكومات أيضاً تضمين خطط التكيُّف في أجندة المناخ الخاصة بها بدلاً من مجرد التخفيف، ومن خلال التكيُّف، تتم حماية المجتمعات الأكثر ضعفاً بشكل أفضل مع العمل في الوقت نفسه على منع الكوارث وزيادة المرونة

وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة خطط عمل محددة في إطار “خارطة الطريق الوطنية لتغيُّر المناخ 2017-2050” الخاصة بها، بهدف تبسيط المبادرات على مستوى الدولة، من خلال هذه الخطة، يتم تضمين السياسات والاستراتيجيات والخطط المتعلقة بتغيُّر المناخ في تنمية ومستقبل الدولة.

إن “مبادرة مصدر”، التي تم إطلاقها في أبو ظبي، هي واحدة من أكبر مبادرات الطاقة النظيفة التي التزمت بها الدولة، فتلك المبادرة هي تعهد باستثمار 15 مليار دولار أمريكي في مجالات الطاقة المتجددة، مما سيلبي التزام الدولة العالمي بالتعامل مع تغيُّر المناخ، لكنها ستساعد أيضاً في خطة الدولة لتنويع اقتصادها، تهدف المبادرة إلى تحويل الطاقة المستخدمة في التقنيات التجارية وتحلية المياه واستخدام المياه إلى مصادر للطاقة المتجددة، وشركاء تلك المبادرة هم: 

دور القطاع الخاص

يواصل القطاع الخاص لعب دور رئيسي في معالجة التأثيرات السلبية لتغيُّر المناخ، وقد حددت العديد من الشركات بالفعل أهدافاً طموحة للانتقال نحو (صافي الانبعاثات الصِّفريّ)، ويعتبر الكشف عن انبعاثات النطاقات 1 و2 و3 إحدى الخطوات الأولى في جعل هذه الأهداف حقيقة واقعة، ولا تحتاج الشركات إلى التركيز فقط على الحد من انبعاثاتها والقضاء عليها، ولكن هناك فرصة كبيرة لها أيضاً لتقديم حلول تكنولوجية يمكن أن تساعد الآخرين على القيام بذلك أيضاً، وهناك جانب آخر يمكن للقطاع الخاص أن يلعب فيه دوراً يتمثل في التوعية العامة والاستفادة من حملات وبرامج التوعية.

إن حشد الموارد للتنبؤ بالكوارث المستقبلية والوقاية منها هو أمر بالغ الأهمية في حماية المجتمعات، وأدوات الاتصال الفعالة ضرورية لمساعدة المؤسسات في عملية التعافي، كما أن المشاركة بين القطاعات مهمة أيضاً لضمان الشفافية.

تعتبر مؤسسة UBS مثالا في القطاع الخاص،  إذ تركز على نشر الوعي بالمناخ من أجل تسخير رأس المال الخاص لسد فجوة التمويل المناخي، استناداً إلى الورقة البيضاء التي نشرتها الشركة مؤخراً حول إطار عمل “التوعية بالمناخ”، حددت UBS حلولاً متعددة تركز على الوعي والتثقيف، في ما يلي أمثلة على ذلك:

  1. توسيع نهجها الواعي بالمناخ على مستوى فئات الأصول ضمن استراتيجيات نشطة وغير نشطة من خلال تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) ومقاييس مخاطر المناخ.
  2. تخطط UBS لرسم خرائط للبيانات المناخية لنحو 10,000 جهة إصدار، والدخول في شراكات مع بنوك التنمية متعددة الأطراف لتوجيه استراتيجيات قابلة للتطوير في مجال تغيُّر المناخ، وعرض استخدام السندات الخضراء.

أطلقت مؤسسة UBS مبادراتها تحت وسم TOGETHERBAND#، التي تهدف إلى الإعلان عن كل هدف من أهداف التنمية المستدامة من خلال التسويق الرقمي مع تخصيص سوار معصم ملون لكل هدف.

تُعتبر شركة فودافون مثالاً آخر لشركة اتصالات رائدة في التزامها بـ (صافي الانبعاثات الصِّفريّ)، حيث أبلغت الشركة عن هدفها المتمثل في تقليص انبعاثاتها إلى مستوى (صافي الانبعاثات الصِّفريّ) بحلول العام 2030 (النطاقين 1 و2) وعلى مستوى سلسلة القيمة بأكملها بحلول العام 2040 (النطاق رقم 3)، تهدف “فودافون” إلى تحقيق ذلك من خلال ما يلي:

بناء اقتصاد دائري

تقليص الانبعاثات في جميع عملياتها

تقليص انبعاثات النطاق رقم 3

مساعدة المجتمعات على إزالة الكربون

سيسمح هذا النهج الشامل لشركة فودافون بتحقيق التزامها المعتمد من جانب مبادرة SBTi وبما يتماشى مع نطاق 1.5 درجة مئوية لزيادة درجة الحرارة العالمية، تستلزم الخطوة الأولى التخلص من جميع الانبعاثات الكربونية من عملياتها على أساس الطاقة التي تشتريها الشركة، وسيتعين على شركة فودافون القضاء على انبعاثات النطاق رقم 3، التي تشمل المشاريع المشتركة وعمليات الشراء عبر سلسلة التوريد واستخدام المنتجات وسفر العمل، بالنسبة لصناعة الاتصالات المتنقلة، يعتبر النطاق رقم 3 أكبر وأكثر المجالات تعقيداً التي ينبغي معالجتها نظراً لأنه يشمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي لا تتحكم فيها الشركة، مع ذلك، فإن تقييم وتحليل خط الأساس وفهم مكان وجود أكبر مساهم يوفر التوجيه المطلوب لتحقيق هذا الهدف.

تعاونت شركة فودافون مع منظمة “كاربون تراست (Carbon Trust) – وهي شريك خبير للشركات والحكومات لمساعدتها على إزالة الكربون والتسريع إلى (صافي الانبعاثات الصِّفريّ) – وذلك لإعطاء الأولوية لفرص تقليص الانبعاثات، من خلال هذا التقييم والفهم الإضافي، تمكنت شركة فودافون من تحديد أكبر مجال لمصادر الانبعاثات وهي المشروعات المشتركة والسلع المشتراة، ومن هذا المنطلق، وضعت الشركة خطة لتضمين التزاماتها على مستوى سلسلة التوريد الخاصة بها، مما يوفر ترجيحاً بنسبة 20 % للمعايير البيئية والاجتماعية في تقييم مورديها، كما تعاونت الشركة بشكل وثيق مع شركائها في المشروعات المشتركة، بما في ذلك شركتيّ Safaricom وTPG Telecom، والتزمت شركة Safaricom بأن تصبح شركة خالية من الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2050 كما التزمت شركة TPG Telecom بشراء 100% من الكهرباء من مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2025.

دور المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المتعددة الأطراف

تلعب هذه المنظمات والمؤسسات دوراً محورياً في معالجة تغيُّر المناخ، وذلك لأنها ترصد التحديات وتثير الأمور العاجلة في القطاعات الأخرى، من المهم ملاحظة أن دور تلك المؤسسات هو توفير الوعي بالنطاق الكامل على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، بالإضافة إلى ذلك، فإن تلك المؤسسات والمنظمات تُحمّل الأطراف الأخرى المسؤولية عن الشفافية في الكشف عن تأثيراتها على البيئة لأنها تميل إلى الدعوة إلى إجراءات أخلاقية واشتمالية.

إن الحاجة إلى مجتمع قوي للمؤسسات غير الحكومية لمكافحة تغيُّر المُناخ هي حاجة واضحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن دور الحكومات المتمثل في نهج “افعل كل شيء” آخذ في التحول، من هذا المنطلق فإن الأمر بات يتطلب من الشركاء المساعدة في تيسير الأنشطة، ووفقاً لمعهد الشرق الأوسط، حددت الحكومات في المنطقة ثلاث طرق يمكن من خلالها للمؤسسات والمنظمات غير الحكومية أن تلعب دوراً محورياً:

تقديم مشورة سياسية مستقلة قائمة على العلم

بناء القدرات المؤسسية

تسهيل الحوار المستقل والمفتوح مع المجتمع المدني

التعاون بين القطاعات هو أمر بالغ الأهمية لدفع الحلول المتعلقة بالمناخ استجابةً لتزايد إلحاح المخاطر البيئية.

في العام 2013، تم إطلاق مبادرة Power Africa بهدف تزويد الناس بإمكانية الحصول على الكهرباء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك إثيوبيا، غانا، كينيا، ليبيريا، نيجيريا، تنزانيا، أوغندا، وموزمبيق، فهناك 600 مليون شخص، أي ما يعادل 70% تقريباً من سكان إفريقيا، لا يحصلون على الكهرباء ويستخدمون أشكالاً غير صحية من الطاقة مثل الفحم والنفط والغاز والوقود الزراعي والصناعي والكتلة الحيوية، من خلال هذه المبادرة، تحت قيادة “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” (USAID)، انضمت 170 شركة من القطاع الخاص إلى تحالف لتوفير:

المساعدة التقنية

•توفير الوصول إلى المجتمعات غير المتصلة بشبكات توليد الطاقة

تخفيف المخاطر

الخدمات الاستشارية

مناصرة الإصلاحات القانونية والتنظيمية والمؤسسية

حددت هذه المبادرة هدفاً جريئاً يسعى إلى جلب 30,000 ميغاواط من الطاقة النظيفة والمتجددة عبر شبكات، بشكل يؤدي إلى ربط 60 مليون منزل وشركة بحلول العام 2030، لن تتمكن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من القيام بذلك بمفردها، بالتالي فإنه مطلوب تقديم دعم إضافي مكثف من جانب الخبراء والمؤسسات المالية والكيانات الحكومية، استناداً إلى التقرير السنوي لـ مبادرة Power Africa للعام 2021، تُسخِّر هذه المبادرة موارد أكثر من 170 شريكاً من القطاعين العام والخاص، وحتى الآن..، تم إضافة 12,500 ميغاواط وتم إنشاء 27 مليون توصيلة كهرباء جديدة، مما أتاح لـ 127.7 مليون مستفيد جديد الحصول على الكهرباء من خلال مبادرة Power Africa، يسلط التقرير الضوء أيضاً على التقدم الذي تم إحرازه على مر السنين، كما يعرض تأثير الشراكات بين القطاعات على نطاق واسع حيث أتاح إمكانية التوسع وزيادة فرص الحصول على التمويل وإيجاد حلول مبتكرة للطاقة.