التأثير على المنطقة
مع تفاقم عواقب تغيُّر المناخ التي تؤدي إلى مضاعفة عدم الاستقرار في المنطقة، ينبغي على الدول الاعتراف بالمخاطر والعمل على تخفيفها، فالجفاف وندرة المياه والحرارة المفرطة والاحتباس الحراري وزيادة العواصف الترابية وتدهور جودة الهواء وارتفاع مستوى سطح البحر هي بعض من النتائج الثانوية لتغيُّر المناخ، وتواجه الدول التي تعيش حالياً في صراع أو تمر بمرحلة انتقالية ما بعد الصراع الحقائق القاسية المتمثلة في حدوث مشكلات مزعجة ومضاعفة على المستوى الوطني.
بينما لا تزال المنطقة تكافح للتعامل مع تأثير الزيادة الكبيرة في أعداد الشباب والحكومات غير المستقرة وتقلب أسعار الموارد الطبيعية وتداعيات الجائحة والصراعات الدولية، فإن تغيُّر المناخ يضيف مزيداً من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وفي الوقت الذي تحاول فيه النظم البيئية العالمية مواكبة عدم الاستقرار المناخي، فإن تمكين اقتصاد “صافي انبعاثات صِّفريّ” في المنطقة سيلعب دوراً حيوياً في الحد من أوجه القصور المجتمعية.
ندرة المياه
مع تفشي ندرة المياه في المنطقة، تشير تقارير إلى أن ما يقرب من 9 من بين كل 10 أطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون في مناطق مرتفعة أو شديدة الندرة في المياه، ولهذا عواقب وخيمة على صحة الأطفال وتغذيتهم ونموهم المعرفي وسبل عيشهم في المستقبل، ونظراً لكون تغيُّر المناخ أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في ندرة المياه، فإن العامل الإضافي لهذه المشكلة هو الصراع الواسع النطاق في المنطقة، مما أدى إلى تزايد السكان الذين يهاجرون من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية.، هذا بدوره يسلط الضوء على قضايا إدارة المياه الأساسية وتدهور البنية التحتية التي ترهق إمدادات المياه مما يؤدي إلى انعدام الأمن المائي.
يؤدي تغيُّر المناخ أيضاً إلى انخفاض مستويات هطول الأمطار السنوية التي تؤثر على القطاع الزراعي وتدهور احتياطيات المياه العذبة بسبب انتقال المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية العذب، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتسرب المواد الملوثة إلى مصادر المياه العذبة مما يؤثر على جودة المياه بشكل عام.
جودة الهواء
يمكن أن يؤثر تغيُّر المناخ على جودة الهواء، في المقابل يمكن أن تؤثر جودة الهواء على التغيُّر المناخيّ. فالملوثات المنبعثة في الهواء يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في المناخ، ويؤدي إحراق الوقود الأحفوري إلى إطلاق غازات ومواد كيميائية في الغلاف الجوي، التي تصبح معلقة فيه مما يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تغيُّر المناخ إلى زيادة مستوى ملوثات الهواء المسببة للحساسية، بما في ذلك العفن، بسبب الظروف الرطبة.
تشير التسجيلات إلى أن مستويات تلوث الهواء في أكبر مدن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي من بين أعلى المعدلات في العالم، وفي المتوسط، يتنفس سكان الحضر أكثر من عشرة أضعاف مستوى الملوثات التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية آمنة، بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لتقرير لمجموعة البنك الدولي بعنوان : “السماء الزرقاء والبحر الأزرق: تلوث الهواء، والبلاستيك البحري، وتآكل السواحل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، يتسبب تلوث الهواء في وفاة ما يقرب من 270 ألف شخصا سنوياً، وهو ما يتجاوز عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور والسكري والملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والتهاب الكبد الحاد مجتمعين.
يعاني سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضاً في المتوسط من المرض لمدة 60 يوماً على الأقل في حياتهم بسبب التعرض لارتفاع تلوث الهواء، ويؤثر انخفاض جودة الهواء على الاقتصاد بطرق مختلفة، حيث يؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة بالربو وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة أو مرض السكري، مما يؤدي إلى انخفاض القدرة على العمل وانخفاض معدلات المشاركة في القوى العاملة.
الاحتباس الحرارى
تزداد حرارة مناخ الأرض تدريجياً نتيجة زيادة غازات الاحتباس الحراري التي تصبح عالقة داخل الغلاف الجوي، وتتسبب مستويات درجات الحرارة غير المستقرة في زيادة تواتر حدوث العديد من أنواع الكوارث الطبيعية، بما في ذلك العواصف والفيضانات وموجات الحر والجفاف، وتؤثر مثل هذه الأحداث على حياة الملايين، كما أنها تهدد الأمن الغذائي وتدمر البنية التحتية الحضرية وتؤدي إلى بيئات غير صالحة للسكن.
في ظل اعتماد 70% من الإنتاج الزراعي في المنطقة بشكل أساسي على هطول الأمطار، فإن هذا القطاع عُرضة لتقلب درجات الحرارة، بالتالي، فإن الاحتباس الحراري يضع ضغوطاً كبيرة على المحاصيل التي تواجه موارد مائية ضئيلة، هذا يؤدي إلى زيادة تأثر المزارعين الريفيين سلبياً، مما قد يؤدي إلى زيادة الهجرة والنزوح، ويُظهر السودان التأثير السلبي لتغيُّر المناخ، حيث أدت الأمطار غير المنتظمة بالإضافة إلى الجفاف والفيضانات المتزايدة إلى أن تصبح الأراضي غير صالحة للزراعة، وقد أدى ذلك إلى نزوح 600,000 نسمة منذ العام 2013، وتتوقع تقديرات أنه سيؤثر على 1.9 مليون آخرين، ويعتمد 70% من المزارعين الريفيين في السودان على الإنتاج الحيواني والزراعة، مما يسلط الضوء على مدى ضعف هؤلاء السكان.
ارتفاع مستوى سطح البحر
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي واحدة من أكثر المناطق عُرضة لارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغيُّر المناخ، فعلياً، بدأت عدة مناطق تعاني من فيضانات دورية، فالإسكندرية، إحدى المدن الساحلية المنخفضة في مصر الواقعة على دلتا النيل، معُرضة لخطر جسيم من الغرق في غضون العقود الثلاثة المقبلة، حيث أن المدن المبنية على دلتا عادة ما تكون أكثر عُرضة للعواصف والفيضانات النهرية الناجمة عن الأمطار، بالإضافة إلى ذلك، فإن مدينة البصرة – وهي مدينة ساحلية منخفضة بجوار نهري دجلة والفرات في العراق – تعرضت لفيضانات موسمية خلال السنوات الأخيرة سواء من الأنهار أو من الزيادة في مستوى سطح البحر.
وفقاً لدراسات، من المقرر أن يرتفع متوسط مستوى سطح البحر ما بين 30 – 122 سنتيمتر بحلول نهاية القرن، وهو الأمر الذي يعرض أكثر من اثنتي عشرة مدينة وسكانهاً عالمياً للخطر.
يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى توغل المياه في الأراضي الحضرية، مما يؤدي إلى هجرة السكان على نطاق واسع، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتفاقم أزمات اللاجئين.
في ظل المخاطر الملحة لعدم استقرار المناخ داخل المنطقة، تعهدت بعض الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال الانتقال إلى الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء الصديقة للبيئة، واتخذ البعض بالفعل خطوات في هذا الاتجاه بهدف تحقيق اقتصاد “صافي انبعاثات صفري”.