دور الرقمنة والابتكار

يشهد العالم تحولين رئيسيين يمكن أن يؤدي الجمع بينهما إلى تنمية مجتمعية هائلة على مستوى العالم،فجنباً إلى جنب مع عولمة تغيُّر المناخ، تُجبر الرقمنة الصناعات على توجيه نماذج أعمالها بما يؤدي إلى إحداث تغييرات هيكلية، ويستمر تطور التكنولوجيا التي تشمل سلسلة الكتل (blockchain) والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات في لعب دور رئيسي في تحويل الأنظمة، مع ذلك، فمن الصعب تقييم تأثير مثل هذه التطورات السريعة على تغيُّر المناخ وإنتاج الانبعاثات.

وفقاً لمقال نشرته مؤسسة “إيرنست آند يونغ” (EY) تحت عنوان “كيف تعمل الرقمنة كمحرك لإزالة الكربون”، يُنظر إلى الرقمنة على أنها جيدة وسيئة في الوقت نفسه لتحقيق الأهداف المناخية، حيث يتوقف ذلك على كيفية استفادة الصناعات من هذه التطورات لدفع التغيير التحوّلي، وينبغي مراقبة وتقييم ازدواجية تأثير التكنولوجيا على البيئة للتأكد من أنها تبسط الحلول الصديقة للبيئة.

يمكن ملاحظة تأثير التقنيات الرقمية على البيئة من خلال تفاعل البرمجيات على الربط الشبكي لمكونات الأجهزة، بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الطلب المتزايد على استهلاك الطاقة، والموارد الطبيعية إلى زيادة حركة البيانات، فلم يعد ممكناً الاعتماد على الوقود الأحفوري والمصادر التقليدية للطاقة لتشغيل الطلب على الاستخدام العالي للبيانات، وينبغي حدوث تضافر للجهود وتعاون بين الصناعات إلى جانب ضخ استثمارات مستدامة كبيرة من أجل ضمان استخدام الكفاءة ومصادر الطاقة المتجددة لدفع عجلة الجهود نحو تحويل المجتمع إلى اقتصاد منخفض الكربون.

مما لا شك فيه أن الرقمنة هي أمر محوري في تحقيق الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس، وينبغي على جميع جوانب المجتمع – بدءاً من المستوى الصناعي والحكومي، إلى الشركات – تضمين الابتكار التكنولوجي في عملياتها من أجل للوصول إلى أهداف (صافي الانبعاثات الصِّفريّ) بشكل جماعي، كما ينبغي علينا أيضاً مراقبة تأثير الرقمنة حيث وصلت إلى مساهمة إجمالية قدرها 4% من إجمالي الانبعاثات المنتجة على مستوى العالم، تُعتبر مراكز البيانات  وزيادة إنتاج النفايات الإلكترونية من أكبر المساهمين في إنتاج الانبعاثات.

ما زالت مراكز البيانات لشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العالمية الكبيرة مدعومة بالوقود الأحفوري، وهو الأمر الذي يؤدي إلى التوسع المحتمل في بصمتها البيئية السلبية، فالاستثمار في كفاءة مراكز البيانات يقلل من تأثيرها المحتمل على البيئة على الرغم من أن تفكيك المراكز القديمة والاستهلاك العالي للمياه للحفاظ على برودة المراكز لا يزال يمثل تحدياً، كما تشير التقديرات إلى أن مراكز البيانات تستهلك ما يقرب من 2% من الكهرباء في العالم، وهي نفس الكمية تقريباً التي تستهلكها صناعة الطيران.

إذا لم تعمل الطاقة المتجددة على تشغيل مراكز البيانات وآليات الكفاءة المدمجة في تصميم المراكز، فقد يكون تأثيرها على تغيُّر المناخ ضارا.

تلعب كفاءة الطاقة دوراً محورياً في مكافحة التأثيرات السلبية لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى جانب تقنيات احتجاز الكربون،  يتركز نهج شركة Google إزاء كفاءة مراكز البيانات الخاصة بها على استخدام الهواء الخارجي للتبريد في المناطق ذات درجات الحرارة التي تسمح بمثل هذا النهج، وبناء خوادم مخصصة تتضمن بيانات أداء مفصلة، قامت شركة Google أيضاً بتثبيت عناصر تحكم ذكية في درجات الحرارة والإضاءة لتقليص فقدان الطاقة.  

لضمان عمل الخوادم بمستويات عالية من الأداء يسمح لـشركة Google بالعمل بأكبر قدر ممكن من الكفاءة من خلال استخدام عدد أقل من الخوادم المادية، ومن خلال جهودها لتحسين الكفاءة، واصلت شركة Google أيضاً العمل على موازنة استهلاكها السنوي للكهرباء من خلال شراء طاقة متجددة متولدة من مصادرمتجددة.

في العام 2017، أصبحت شركة Google أول شركة كبيرة الحجم تعوض الكربون بنسبة 100% من استهلاكها السنوي للطاقة، وخلال الفترة من العام 2010 – 2020، نجحت الشركة في توقيع أكثر من 55 اتفاقية للحصول على ما يقرب من 6 غيغاوات من الطاقة، بعد ذلك، في العام 2021 – بالشراكة مع مبادرة “طاقة مستدامة للجميع” والأمم المتحدة – أطلقت شركة Google “اتفاقية الطاقة الخالية من الكربون” (CFE) على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لإزالة الكربون تماماً من أنظمة إنتاج الكهرباء، سيساعد هذا في ضمان أن احتياجات شركة Google من الطاقة يتم انتاجها بنسبة 100% عن طريق الطاقة النظيفة.

وسعياً إلى تحقيق “اتفاقية الطاقة الخالية من الكربون” (CFE) على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بحلول العام 2030، تستخدم شركة Google العديد من مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق هدفها، بما في ذلك عمليات Google في مراكز البيانات والمكاتب، سيتم توفير الطاقة النظيفة من خلال الطاقة المتجددة التي يتم توفيرها من خلال مزيج من توليد الطاقة في المواقع وشبكات الكهرباء خارج المواقع، وقد لعب خفض تكاليف الطاقة النظيفة بنسبة 70% إلى 80%، والتحول الكبير في إنتاج الطاقة النظيفة على مدى السنوات العشر الماضية، دوراً مهماً في تكامل مصادر الطاقة النظيفة، وهو الأمر الذي يسهل على جميع أنواع الشركات المساهمة في هذا التغيير.

بدأت شركة Google في توقيع اتفاقيات لشراء الطاقة (PPAs) في العام 2010، وهي عقود لشراء الطاقة المتجددة على نفس الشبكة المستخدمة لمراكز البيانات الخاصة بالشركة، واتفاقيات شراء الطاقة هي عملية طويلة الأجل لأنها تنطوي على بناء البنية التحتية لدعم استخدام الطاقة المتجددة، وقد تم ذلك بنجاح في بلجيكا، الدنمارك، تشيلي، وفنلندا، مع وجود خطط للتوسع قيد التنفيذ. 

قد يكون تحريك المجتمع نحو اقتصاد نظيف ودائري مع الحد من النفايات الإلكترونية أمراً صعباً، لكن أيضاً يمكن تحقيقه من خلال سياسات التخفيف من النفايات الإلكترونية التي تشمل المنتج والمستهلك، فإعادة التدوير وإعادة الاستخدام وإعادة البيع ليست سوى بعض الطرق التي يمكن للمؤسسات من خلالها معالجة إنتاج النفايات الإلكترونية، إذ ينبغي تضمين مبادئ الاقتصاد الدائري في مرحلة تصميم المنتج نفسه للمساعدة في نهاية الدورة.

أدى التوسع في إنترنت الأشياء (IoT) إلى الاستخدام المتسارع لمعدات الأجهزة المعقدة، على الرغم من أنها أثبتت أيضاً أنها تحتوي على مكونات كفاءة في استخدام الطاقة، لذا ينبغي النظر في هذا السلاح ذو الحدين من جانب صانعي السياسات والقرارات للتأكد من أنه يُحسِّن التقدم التكنولوجي، ووفقاً لـ”معهد المناخ”، خفضت سويسرا مخلفاتها الإلكترونية من خلال تنفيذ برنامج سياسات يشمل التمويل والنقل والجمع الذي يؤثر على نظام النفايات نفسه.